في خطوة كان العديد من المشاركين في السوق يتوقعونها، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي عن خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، مما يشير إلى نهاية حملته المطولة لتشديد السياسة النقدية. وفي حين أرسل هذا القرار في البداية موجات من التفاؤل عبر الأسواق المالية، إلا أن النشوة سرعان ما تلاشت مع ظهور المخاوف بشأن أرباح الشركات والنمو الاقتصادي في المقدمة.
وعلى الرغم من التوتر المؤقت، سجلت مؤشرات الأسهم الرئيسية مكاسب قوية خلال الأسبوع. فقد ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.4%، وزاد مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1.6%، وارتفع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 1.5%. بل إن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 سجل أعلى مستوى على الإطلاق في وقت سابق من الأسبوع، وأغلق مؤشر داو جونز عند مستوى قياسي. ومع ذلك، يظل السؤال مطروحا: هل خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة كافيا للحفاظ على هذا الزخم، أم أن المخاوف العميقة بشأن الاقتصاد لا تزال تلوح في الأفق؟
استجابة السوق: ارتفاع قصير الأمد
في البداية، كان خفض أسعار الفائدة بمثابة الضوء الأخضر لاستمرار النمو في الأسواق المالية. ورحب المستثمرون بقرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بعكس مساره بعد أشهر من زيادات أسعار الفائدة العدوانية التي تهدف إلى ترويض التضخم. وبالنسبة للعديد منهم، كان هذا هو الراحة التي كانوا ينتظرونها مع بدء عبء تكاليف الاقتراض المرتفعة في التأثير على أرباح الشركات والنشاط الاقتصادي.
ولكن بحلول يوم الجمعة، تضاءل التفاؤل. وتصدرت المخاوف بشأن أرباح الشركات وصحة الاقتصاد على نطاق أوسع دائرة الضوء. وعلى الرغم من المكاسب الأسبوعية الإيجابية، أصبح المستثمرون أكثر حذراً، حيث تساءل البعض عما إذا كان الاقتصاد قادراً على دعم النمو في مواجهة الضغوط التضخمية المستمرة وتباطؤ الطلب الاستهلاكي.
قانون التوازن الدقيق الذي يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي
ومن النقاط الرئيسية التي أكد عليها رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن الاقتصاد الأميركي لا يزال قويا، على الرغم من تحول البنك نحو سياسة نقدية أكثر تيسيراً. وينتظر المستثمرون بفارغ الصبر بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني، المقرر صدورها يوم الخميس، والتي ستوفر رؤى حاسمة حول دقة التوقعات المتفائلة لباول. بالإضافة إلى ذلك، سيعمل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) الصادر يوم الجمعة كمقياس حاسم للضغوط التضخمية، مما يمنح بنك الاحتياطي الفيدرالي صورة أوضح عما إذا كانت تحركاته الأخيرة قد نجحت في ترويض الأسعار المرتفعة بشكل فعال.
كان باول حريصًا على عدم إعلان النصر على التضخم، حيث لا تزال الضغوط الأساسية قائمة. وفي حين يتجه التضخم نحو الانخفاض، لم يصل بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد إلى هدفه الطويل الأجل البالغ 2%. وستكون البيانات الاقتصادية القادمة محورية في تحديد ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد نجح في تحقيق التوازن بين ولايته المزدوجة المتمثلة في تعزيز التشغيل الأقصى واستقرار الأسعار.
ما هو التالي بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي؟
إن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس يثير سؤالا مهما: إلى أين يتجه بنك الاحتياطي الفيدرالي من هنا؟ ربما تكون دورة التشديد قد انتهت، لكن الطريق إلى الأمام ليس مؤكدا على الإطلاق. ومن المقرر أن يلقي العديد من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك باول، خطابات ويشاركون في مؤتمرات في الأيام المقبلة، مما يوفر مزيدا من الرؤى حول خطط البنك المركزي المستقبلية.
وبحسب التوقعات الحالية، من المتوقع أن ينفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي تخفيضين إضافيين بمقدار 25 نقطة أساس قبل نهاية العام، يليهما أربعة تخفيضات أخرى في عام 2025. ومع ذلك، أكد باول أن التخفيض الأخير بمقدار 50 نقطة أساس لا ينبغي اعتباره القاعدة الجديدة. ويزعم بعض المحللين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ربما يحاول اللحاق بالركب، مشيرين إلى أنه كان ينبغي له تخفيف أسعار الفائدة في اجتماعه في يوليو/تموز. ويعتقد آخرون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتبنى نهجا استباقيا لضمان الاستقرار الاقتصادي مع تزايد وضوح علامات تباطؤ سوق العمل.
موازنة المخاطر الجديدة والقديمة
على مدى القسم الأعظم من العامين الماضيين، كان التركيز الأساسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على كبح جماح التضخم الجامح في ظل سوق عمل متوترة باستمرار. ومع تباطؤ التضخم الآن وظهور علامات التباطؤ في سوق العمل، يواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي مهمة أكثر تعقيداً: موازنة جهوده الرامية إلى تثبيت استقرار الأسعار في حين يمنع حدوث انحدار كبير في معدلات تشغيل العمالة.
وأقر باول بأن المخاطر التي تهدد التضخم قد تضاءلت، لكن المخاطر التي تهدد التوظيف تتزايد. وقال: "نحن نعلم أن الوقت قد حان لإعادة معايرة سياستنا"، مؤكدا أن توازن المخاطر أصبح الآن أكثر توازنا بين التضخم والتوظيف.
ويتوقع محللو السوق أن يبلغ معدل التضخم في نفقات الاستهلاك الشخصي 2.3% على أساس سنوي، بانخفاض عن 2.5% في الشهر السابق. ومن المرجح أن تؤكد هذه القراءة الإيجابية قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة وقد تشير إلى أن التضخم مستمر في مساره الهبوطي. ولكن مع بقاء التضخم أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، فلا يوجد ما يضمن عدم عودة ضغوط الأسعار إلى الارتفاع، خاصة إذا خفف بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته بشكل مفرط وفي وقت مبكر للغاية.
مخاوف السوق والمحللين: هل هي كثيرة جدًا وفي وقت قريب جدًا؟
في حين قوبلت الخطوة الجريئة التي اتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس بالتفاؤل، إلا أن بعض مراقبي السوق ما زالوا متشككين. فقد أصدر محللون في بنك أوف أميركا جلوبال ريسيرش مذكرة جاء فيها: "في ظل النمو الذي يفوق الإمكانات، والمستهلك القوي، وسوق الأسهم التي حطمت الأرقام القياسية، فإن مثل هذه البداية الجريئة لدورة التيسير من الصعب تبريرها إذا لم يكن الركود وشيكًا". وزعموا أنه ما لم ير بنك الاحتياطي الفيدرالي علامات تحذيرية غير واضحة للسوق الأوسع، فإن هذا الخفض العدواني لأسعار الفائدة قد يعيق الجهود الرامية إلى تحقيق هدف التضخم بنسبة 2٪، خاصة بالنظر إلى حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تلوح في الأفق.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، والتقلبات المحتملة في الأسواق العالمية، فإن عملية التوازن التي يضطلع بها بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف تصبح أكثر حساسية. وإذا توقف النمو الاقتصادي أو ظل التضخم ثابتا، فقد يجد بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه في مواجهة انتقادات إما بسبب تصرفه على عجل أو عدم بذله ما يكفي من الجهد.
أوقات غير مؤكدة قادمة
إن خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي يمثل تحولاً كبيراً في السياسة النقدية، ويضع نهاية لحملته التشديدية. وفي حين قوبلت هذه الخطوة بمزيج من التفاؤل والتشكك، فإن التوقعات الاقتصادية الأوسع نطاقاً لا تزال غير واضحة. وسوف يراقب المستثمرون وصناع السياسات على حد سواء عن كثب المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في الأسابيع المقبلة لتحديد ما إذا كان الاقتصاد الأميركي على أرض صلبة حقاً أم أن هناك المزيد من التحديات في المستقبل. ومع استمرار باول وغيره من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقديم رؤى حول عملية صنع القرار، هناك شيء واحد مؤكد: إن الرحلة إلى الاستقرار الاقتصادي لم تنته بعد.