المؤلف: جروك، بلوك يونيكورنمُجمع المقالات: بلوك يونيكورن
المقدمة والخلفية
""دليل المستخدم لإعادة بناء نظام التجارة العالمي" هو تقرير أكاديمي أصدره ستيفن ميران في نوفمبر 2024، قبل ترشيحه رئيسًا لمجلس المستشارين الاقتصاديين لإدارة ترامب. لا يشكل هذا التقرير مخططا سياسيا مباشرا، بل هو تحليل للتعديلات المحتملة للسياسات التجارية والمالية الأميركية استنادا إلى وجهات نظر المؤلف الشخصية. ويهدف إلى تزويد صناع القرار والمستثمرين بإطار لفهم إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. وأوضح ميران أن التقرير لا يمثل الموقف الرسمي لشركة هدسون باي كابيتال أو فريق ترامب، بل يعكس تشخيصه وبحثه عن حلول للتحديات البنيوية التي يواجهها الاقتصاد الأميركي. ويأتي التقرير على خلفية فوز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث تخضع توجهاته السياسية للتدقيق، لكن استياء الرأي العام الأميركي من العولمة وعواقبها الاقتصادية زاد بشكل كبير خلال العقد الماضي. وقد أدى هذا الاستياء إلى تحول ثنائي الحزب في السياسة التجارية، بعيدا عن التجارة الحرة ونحو تدابير أكثر حمائية تركز على تعزيز موقف الولايات المتحدة. ويعتقد ميران أن ترامب يريد منذ فترة طويلة إصلاح نظام التجارة العالمي لمنح الصناعات الأميركية مكانة أكثر عدالة في المنافسة الدولية. وقد تؤدي هذه الرغبة إلى إحداث "تغيير جيلي" خلال ولايته الثانية. ويهدف التقرير إلى تقديم رؤى حول العواقب الاقتصادية والسوقية المحتملة من خلال تحليل الاختلالات الاقتصادية في النظام التجاري العالمي، وإدراج أدوات السياسة المتاحة، وتقييم نقاط القوة والضعف فيها. ويأتي إصدار الوثيقة في وقت وصلت فيه حالة عدم الرضا بين الناخبين الأميركيين عن النظام الاقتصادي الدولي القائم إلى ذروتها، وهو الاتجاه الذي تضخم بسبب إعادة انتخاب ترامب. ولذلك، ورغم أن التقرير أكاديمي، فإن محتواه يُنظر إليه كمرجع مهم لفهم استراتيجية ترامب الاقتصادية في ولايته الثانية، خاصة بعد ترشيح ميران لاحقاً رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين، حيث أصبح تأثيره أكثر بروزاً.
الأساس النظري - المبالغة في تقييم الدولار الأميركي واختلال التوازن الاقتصادي
تستند الحجة الأساسية للتقرير إلى النظرية القائلة بأن الدولار الأميركي لا يزال مبالغاً في قيمته، وهو ما يعتبره ميران السبب الجذري لاختلال التوازن التجاري العالمي. واستشهد بـ "معضلة تريفين" لشرح هذه الظاهرة: فباعتبارها العملة الاحتياطية العالمية، يتعين على الدولار الأميركي توفير السيولة للعالم، ولكن هذا الدور يؤدي إلى المبالغة في تقدير سعر صرفه، مما يجعل الصادرات الأميركية أقل قدرة على المنافسة والواردات أرخص، وبالتالي إلحاق الضرر بالقطاعات القابلة للتداول مثل التصنيع. إن هذا التقييم المبالغ فيه ينبع من "الطلب غير المرن" العالمي على الدولار كأصل احتياطي ــ إذ تواصل البلدان شراء الدولار للاحتفاظ بأصول آمنة (مثل سندات الخزانة الأميركية)، الأمر الذي يتسبب في تجاوز قيمة الدولار لمستوى التوازن الذي تحدده أساسياته الاقتصادية. وأشار ميران إلى أن هذا الخلل يصبح أكثر وضوحا بشكل خاص خلال فترات الركود لأن الدولار، باعتباره أحد الأصول الآمنة، سوف يستمر في الارتفاع، مما يضعف القدرة التنافسية للصادرات الأميركية، في حين تميل عملات البلدان الأخرى إلى الانخفاض لتحفيز الصادرات. ويؤدي هذا التباين إلى انخفاض حاد في العمالة في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة خلال فترات الركود الاقتصادي وصعوبة تعافيها خلال فترات التعافي. كما حلل أيضًا أنه مع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة لتوفير الأصول الاحتياطية والحفاظ على مظلة أمنية عالمية (مثل الإنفاق الدفاعي) آخذة في الارتفاع. وتتحمل قطاعات التصنيع والتجارة هذه التكاليف في المقام الأول، وليس القطاعات المالية أو الخدمية. ولم يؤد هذا الضغط الهيكلي إلى إضعاف القدرة التنافسية للاقتصاد الأميركي فحسب، بل تسبب أيضاً في مشاكل اجتماعية محلية، مثل الانكماش الاقتصادي المحلي الناجم عن إغلاق المصانع والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الأسر العاملة. ويرى ميران أن المبالغة في قيمة الدولار الأميركي ليست مجرد قضية اقتصادية تقنية، بل هي أيضا قوة دافعة سياسية وراء توجهات ترامب السياسية. ويلقي ترامب وأنصاره باللوم في تراجع التصنيع على قواعد التجارة غير العادلة، والمفتاح لحل هذه المشكلة هو خفض قيمة الدولار أو تعديل شروط التجارة لتقليل العبء الهيكلي على الاقتصاد الأميركي. ويشكل هذا الإطار النظري أساسًا أكاديميًا متينًا للتوصيات السياسية اللاحقة التي يتضمنها التقرير.
جذور اختلال التوازن في التجارة العالمية والسخط الأمريكي
يستكشف ميران بعمق كيف أدت اختلالات التوازن في التجارة العالمية إلى استياء واسع النطاق في الولايات المتحدة. وأشار إلى أن العجز التجاري والركود الصناعي الناجم عن ارتفاع قيمة الدولار هما السببان الجذريان لعدم ثقة الناس في النظام الاقتصادي القائم. منذ سبعينيات القرن العشرين، تحول الحساب الجاري الأميركي من فائض في الستينيات إلى عجز مستمر وصل إلى عدة نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024. وفي الوقت نفسه، انخفضت نسبة العمالة في قطاع التصنيع بشكل كبير، وترتبط هذه التغيرات ارتباطا وثيقا بوضع الدولار الأميركي كعملة احتياطية. وفي حين يزعم بعض خبراء الاقتصاد أن تراجع العمالة في قطاع التصنيع هو نتيجة طبيعية لمكاسب الإنتاجية العالمية والتقدم التكنولوجي، أكد ميران أن هذه النتيجة الاقتصادية تتضخم في المجال السياسي لتتحول إلى رد فعل عنيف عام ضد العولمة. ويبدو أن هذا الشعور قوي بشكل خاص بين أنصار ترامب، الذين يربطون إغلاق المصانع وفقدان الوظائف بنظام تجاري غير عادل.
تشير البيانات الواردة في التقرير إلى أن مشكلة العجز التجاري الأميركي أصبحت أكثر خطورة على نحو متزايد في العقود القليلة الماضية، وأن المبالغة في تقييم الدولار الأميركي وضعت الولايات المتحدة في وضع غير مؤات في التجارة العالمية. يمكن للدول الأخرى أن تعوض الميزة التنافسية للولايات المتحدة من خلال خفض قيمة العملة أو دعم الصادرات، ولكن الولايات المتحدة لا تستطيع اتخاذ تدابير مماثلة بسبب قوة الدولار. ويرى ميران أن هذا الخلل لا يمثل مشكلة اقتصادية فحسب، بل له آثار اجتماعية عميقة أيضا. على سبيل المثال، أدى انكماش الاقتصاد المحلي الناجم عن تراجع التصنيع إلى جعل الأسر العاملة تعتمد على المساعدات الحكومية، وشهدت بعض المناطق مشاكل اجتماعية، مثل وباء الإدمان على المواد الأفيونية. وقد أدت هذه الظواهر إلى تفاقم عدم ثقة الشعب الأمريكي في النظام التجاري القائم، ووفرت الدعم الشعبي لسياسات ترامب. خلال حملته الانتخابية، أكد ترامب مرارا وتكرارا على ضرورة استعادة "العدالة" للاقتصاد الأميركي من خلال إعادة تشكيل قواعد التجارة، ويظهر تحليل ميران أن هذا الهدف يتطلب معالجة جذرية لمشكلة الدولار المبالغ في قيمته.
مجموعة أدوات السياسة - من التعريفات الجمركية إلى التدخل في العملة
الجزء الرابع من التقرير هو المحتوى الأساسي، حيث يقدم "مجموعة أدوات" مفصلة لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. يقدم ميران قائمة متنوعة من الخيارات السياسية ويحلل مزاياها وعيوبها واحدة تلو الأخرى. أولا، ناقش التعريفات الجمركية كأداة أولوية محتملة لإدارة ترامب. وأشار إلى أنه على الرغم من أن هذه التدابير أدت إلى زيادة تكاليف الاستيراد، إلا أنها لم تؤدي إلى عواقب اقتصادية كلية كبيرة لأن تعديل سعر صرف الرنمينبي عوض جزئيا عن تأثير التعريفات الجمركية. ولتعزيز التأثير، اقترح ميران أن تتخذ التعريفات الجمركية المستقبلية شكل "التوجيه المسبق"، مثل زيادة معدلات التعريفات الجمركية تدريجيا كل شهر (مثل زيادة بنسبة 2٪) للضغط المستمر على الشركاء التجاريين لإجبارهم على تقديم تنازلات في المفاوضات. ثانيا، اقترح إضعاف قيمة الدولار من خلال السياسة النقدية، بما في ذلك التوصل إلى اتفاقية عملة متعددة الأطراف مماثلة لاتفاقية مار إيه لاغو مع الشركاء التجاريين لخفض سعر صرف الدولار من خلال التدخل الجماعي. وبالإضافة إلى ذلك، اقترح فرض "رسوم استخدام" على الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة الأميركية، أو إجبار الحكومات الأجنبية على تمديد آجال استحقاق حيازاتها من سندات الخزانة لتقليل الطلب القصير الأجل على الدولار. وتهدف هذه التدابير إلى خفض قيمة الدولار مع تقليص مكانته كعملة احتياطية. كما أشار إلى أدوات داعمة أخرى، مثل تخفيضات الضرائب لتحفيز الاستثمار المحلي، أو الاستفادة من الولايات المتحدة باعتبارها أكبر سوق استهلاكية في العالم للحصول على اليد العليا في الحرب التجارية. ومع ذلك، أقر ميران أيضًا بأن هذه الأدوات تنطوي على مخاطر: إذ يمكن أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى إثارة تدابير انتقامية وتعطيل سلاسل التوريد العالمية؛ إن ضعف الدولار قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة ويؤثر على الاستقرار المالي. وأكد أن تصميم مزيج السياسات يحتاج إلى تحقيق التوازن بين هدف إعادة التوازن التجاري والتأثير السلبي المحتمل على الاقتصاد الأميركي.
التأثير على الأسواق المالية والتحديات في تنفيذ السياسات
يستكشف الجزء الخامس من التقرير التأثير المحتمل لهذه السياسات على الأسواق المالية والتحديات في التنفيذ. ويتوقع ميران أن تؤدي الرسوم الجمركية وسياسات خفض قيمة الدولار إلى إثارة تقلبات في السوق على المدى القصير، وخاصة في أسواق الصرف الأجنبي والسندات. إذا انخفضت قيمة الدولار بشكل كبير، فقد ينخفض الطلب من جانب المستثمرين الأجانب على الأصول الدولارية، مما يؤدي إلى ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية، وهو ما يدفع بدوره تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع. ومع ذلك، فهو يعتقد أن هذا التأثير يمكن التخفيف منه من خلال اتفاقيات العملة أو ضوابط رأس المال. وفي سوق الأوراق المالية، قد ترتفع أسعار أسهم الشركات المرتبطة بالتصنيع بسبب الحماية الجمركية، ولكن الشركات التي تعتمد على الواردات قد تتعرض لضغوط. إذا تصاعدت الحرب التجارية، فإن الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية قد تؤدي إلى ضغوط تضخمية، على الرغم من أن ميران يعتقد أن تعديلات سعر الصرف قد تعوض هذا التأثير جزئيا. وعلى مستوى التنفيذ، أشار إلى أن السياسات تحتاج إلى تسلسل وتنسيق دقيقين. على سبيل المثال، ينبغي للتعريفات الجمركية أن تحظى بالأولوية قبل التدخل في العملة لتجنب إضعاف الدولار قبل الأوان والتسبب في تدفقات رأس المال إلى الخارج. وذكر أيضًا أن إدارة ترامب قد تستخدم صلاحيات الطوارئ (مثل قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية) لفرض التدابير، لكن هذا قد يثير نزاعات قانونية ويؤدي إلى توتر العلاقات الدولية. وأكد ميران بشكل خاص أن وضع الولايات المتحدة كدولة رئيسية في الطلب العالمي يمنحها مزيدًا من القدرة على التحمل في لعبة التجارة، ولكن إذا لجأت دول أخرى إلى اليورو أو الرنمينبي كعملات احتياطية بديلة، فقد تتعرض هيمنة الدولار للتهديد. ويجعل هذا الغموض نجاح السياسات معتمداً بشكل كبير على الاستجابات الخارجية وقدرات التنفيذ الداخلية.
الرأي والتحقق من الواقع
في 7 أبريل 2025، أعلن ترامب عن فرض تعريفات جمركية بنسبة 25٪ على الواردات من كندا والمكسيك للضغط على البلدين بشأن تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية. وتتوافق هذه الخطوة إلى حد كبير مع استراتيجية التعريفة الجمركية التي تنتهجها ميران. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن هذه الخطوة قد تزيد سعر السيارات الأميركية التي تستخدم أجزاء مكسيكية وكندية بما يتراوح بين 4 آلاف و10 آلاف دولار، بحسب بيانات مجموعة أندرسون الاقتصادية، وهو ما يعكس فكرة ميران في استخدام الرسوم الجمركية لتحويل العبء الاقتصادي وتحفيز الإنتاج المحلي. لكن كين روجوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، قدر أن ذلك من شأنه أن يرفع احتمالات الركود في الولايات المتحدة إلى 50%، وهو ما يعكس مخاوف ميران بشأن تقلبات الأسواق المالية، مثل ضعف الدولار الذي قد يدفع تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع.
ملخص وتوقعات
يقدم دليل المستخدم لإعادة تشكيل نظام التجارة العالمي إطارًا طموحًا ومثيرًا للجدل يحاول معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي من خلال التجارة والسياسة النقدية. انطلاقًا من نظرية المبالغة في قيمة الدولار، يقوم ميران بتشخيص الأسباب الجذرية لاختلال التوازن التجاري ويقترح أدوات مبتكرة، من التعريفات الجمركية إلى اتفاقيات العملة المتعددة الأطراف، بهدف تعزيز القدرة التنافسية للصناعات الأمريكية مع الحفاظ على وضع الدولار كاحتياطي. وأقر بالمخاطر المحتملة لهذه السياسات، مثل التعريفات الجمركية الانتقامية، والضغوط التضخمية، والاضطرابات في الأسواق المالية، لكنه زعم أن التصميم والتنسيق الدقيقين يمكن أن يخففا من الآثار السلبية. وتُظهِر سياسة التعريفات الجمركية التي يفرضها ترامب على كندا والمكسيك بحلول عام 2025 أن بعض أفكار ميران تتحول إلى حقيقة، وأن تأثيرها اللاحق سيختبر بشكل أكبر جدوى هذا الإطار. وأخيرا، فإن تنفيذ هذه المقترحات يواجه أيضا اختبارات متعددة: فالدعم السياسي المحلي، والاستعداد للتعاون الدولي، وردود فعل السوق سوف تحدد نجاحها أو فشلها. ورغم أن التقرير يقدم أسساً نظرية وخيارات سياسية، فإنه يظل من المشكوك فيه ما إذا كان العمل الأحادي الجانب في سياق العولمة كافياً لإعادة تشكيل النظام العالمي. بالنسبة للمستثمرين وصناع القرار، يعد هذا الدليل بمثابة نافذة على الاستراتيجية الاقتصادية لترامب في ولايته الثانية ونقطة انطلاق لتقييم دقيق للمخاطر والعوائد. ويشير تحليل ميران، إلى جانب سياسات ترامب الفعلية، إلى أن الولايات المتحدة ربما تواجه تغييراً عميقاً في نظامها التجاري، لكن النتيجة تظل غير مؤكدة.