قد تنتهي قريبًا قاعدة 996، إحدى أكثر ثقافات العمل سميةً في الصين. كان هذا المبدأ سيئ السمعة يُلزم الموظفين في الصين بجدول عمل طويل وشاق، من التاسعة صباحًا حتى التاسعة مساءً، ستة أيام في الأسبوع.
في الصين، التي كانت تعتبر في السابق من أكثر دول العالم إرهاقاً بالعمل، بدأت العديد من الشركات الآن في تنفيذ سياسات لتشجيع التوازن الصحي بين العمل والحياة.
الشركات تُدخل سياسات إلزامية لإيقاف العمل
ومن بين الشركات الرائدة في تنفيذ السياسات الجديدة شركة DJI، وهي الشركة الرائدة في تصنيع الطائرات بدون طيار ومقرها في شنتشن، والتي قدمت سياسة صارمة جديدة تتطلب من الموظفين مغادرة المكتب بحلول الساعة التاسعة مساءً.
طُبِّقت هذه السياسة الجديدة بصرامة من قِبَل موظفي الإدارة والموارد البشرية، على الرغم من شكوى العديد من مستخدمي الإنترنت من أن التاسعة مساءً لا تزال تُعتبر توقيتًا متأخرًا لتوقيع الخروج. إلا أن آخرين يرون أن هذه السياسات تُمثِّل خطوةً في الاتجاه الصحيح.
لا تزال ثقافة العمل لساعات طويلة متجذرة في قطاعات مثل التكنولوجيا والتمويل والتصنيع. ومع ذلك، أعرب موظفو DJI عن ارتياحهم لتغيير السياسة.
شارك مهندس برمجيات، يعمل في الشركة منذ أربع سنوات، تجربته على منصة شياوهونغشو للتواصل الاجتماعي، واصفًا هذه الخطوة بأنها "خبرٌ عظيم". وتذكر أنه كان من المعتاد مغادرة العمل بعد منتصف الليل. الآن، ومع تحديد وقت مغادرة ثابت، لم يعد يقلق بشأن فوات آخر قطار أو إزعاج زوجته عند عودته إلى المنزل.
في مكتب DJI في شنغهاي، تُعزَّز هذه السياسة بإطفاء الأنوار الساعة التاسعة مساءً للإعلان عن انتهاء يوم العمل. حتى أن بعض الموظفين أبلغوا عن طردهم من المكتب لمجرد محاولتهم استعادة متعلقاتهم المنسية.
على غرار شركة DJI، التزمت شركة Miniso، وهي شركة تجارة التجزئة الشهيرة، بهذا التغيير الجذري من خلال تحديد مدة الاجتماعات بـ 30 دقيقة، وضمان عدم إطالة أمد الموافقات. في الوقت نفسه، تُلزم مجموعة Midea، عملاق الأجهزة الصيني، جميع الموظفين بمغادرة العمل بحلول الساعة 6:20 مساءً، وتحظر الاجتماعات بعد ساعات العمل الرسمية والعمل الإضافي غير الضروري.
كما أعرب مؤسس شركة شاومي والرئيس التنفيذي لها، لي جون، عن دعمه لهذه التغييرات، مؤكداً على الحاجة إلى التحول نحو "التطوير عالي الجودة" بدلاً من تعزيز ثقافة المنافسة التي لا نهاية لها.
أكثر من مجرد وقت إجباري للتوقف
لطالما كانت ثقافة العمل المُفرطة في الصين - والتي يُشار إليها غالبًا باسم "نيجوان" (التراجع) - موضع نقاش. سلّط لي ويندونغ، الأستاذ المُشارك في الجامعة الصينية بهونغ كونغ، الضوء على الافتراض الخاطئ بأن العمل لساعات طويلة يُترجم مباشرةً إلى إنتاجية أعلى. وأشار إلى أنه "حتى لو كنت تعمل لساعات طويلة جدًا، فهذا لا يعني بالضرورة أن إنتاجيتك جيدة".
اشتدت حدة الاستياء العام من الإفراط في العمل في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد ورود تقارير عن وفيات متعددة مرتبطة بالعمل. وقد دفع هذا القلق المتزايد الحكومة الصينية إلى تناول قضية المنافسة المفرطة في أماكن العمل لأول مرة في تقرير عملها السنوي. وتعهد رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ باتخاذ "خطوات شاملة" لمعالجة ما وصفه بثقافة "سباق الفئران" الضارة.
رغم هذه التطورات، يُحذّر الخبراء من أن التغيير الحقيقي سيستغرق وقتًا ويتطلب التزامًا مستمرًا من القيادة. وأكد الدكتور بول ليم، المحاضر الأول في جامعة سنغافورة للإدارة، أن المنافسة ضرورية، ولكن يجب ألا تكون مُفرطة. ويعتقد أنه إذا استمرت الحكومة الصينية في اتخاذ موقف حازم ضد نظام 996، فستتبعه تحسينات حقيقية.
لكن الخبراء يعتقدون أن تطبيق هذه السياسات لن يكون كافيًا إذا استمر المديرون في توقع عمل الموظفين عن بُعد بعد ساعات العمل الرسمية. التغيير الحقيقي لا يتحقق إلا بتغيير ثقافة العمل، وشعور الموظفين بقيمتهم التي تتجاوز عدد ساعات عملهم.
يمكن للشركات أيضًا التركيز بشكل أكبر على النمو الشخصي لموظفيها، مثل تقديم مزايا مثل الرعاية الصحية، ومكافأة الموظفين على مساهمتهم في تقليل التوتر في مكان العمل والقضاء على ضغط الزملاء الذين يعملون لساعات طويلة باستمرار.
في الوقت الحالي، يبدو أن الشركات الكبرى في الصين تتخذ الخطوات الأولى نحو إصلاح ثقافة العمل الإضافي المتجذرة. ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التغييرات ستؤدي إلى تحول دائم، أم أنها مجرد تعديل مؤقت.